وضع داكن
30-05-2025
Logo
الفتوى : 17 - هل على الإنسان أن يقضي أيامه بالعبادة ؟ .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

سؤال:

 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل على الإنسان أن يقضي أيامه بالعبادة ؟

 وجزاكم الله عنا كل خير

الجواب :

 بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد.
الأخ الكريم / الأخت الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إجابة على سؤالكم، نفيدكم بما يلي:
من قال لك أن العبادة صلاة فقط، عملك المهني، حرفتك اليومية طبيب، مهندس، محامي، مدرس، تاجر، صاحب خدمة عامة، عملك اليومي:
1 ـ إذا كان في الأصل مشروعاً.
2 ـ وسلكت به الطرق المشروعة.
3 ـ وأردت منه كفاية نفسك وخدمة المسلمين.
4 ـ ولم يشغلك عن طلب علم ولا عن أداء واجب.
هذا العمل اليومي بحرفتك انقلبت إلى عبادة، مفهوم العبادة عند الناس صوم وصلاة، هذه عبادة شعائرية والعبادات التعاملية حرفتك عبادة لله وأنت في أسرة والمجتمع الإسلامي أسرة وأنت أحد أفراد الأسرة تكسب قوت يومك، فالعبادة متنوعة إكرام الضيف عبادة، إدخال الفرح على الأهل عبادة، إتقان عملك عبادة، تربية الأولاد عبادة، والدين عبادة شعائرية، اسمحوا لي بمثل بسيط:
العبادة التعاملية كالعام الدراسي تسعة أشهر والشعائرية ثلاث ساعات الفحص، تصور طالب لم يقرأ ولا كلمة ولا حضر ولا درس وذهب إلى الامتحان معه ست أقلام و معه سندويش ومعه أسبرين، ولم يقرأ شيء ليس لها معنى هذه الثلاث ساعات، فإذا الإنسان لم يكن مستقيم ولم يكن ملتزم بالعبادة التعاملية العبادة الشعائرية لا معنى لها إطلاقاً، من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً، هذه أخطر شيء في الدين، إذا الدين اعتبرته صلاة وصوم جعلته طقوس.
سيدنا جعفر صحابي جليل لما سأله النجاشي عن الإسلام قال له: كنا قوم أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأتي الفواحش، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله فينا رجل نعرف أمانته وصدقه، وعفافه، ونسبه فدعانا إلى أن نعبد الله ونوحده ونخلع ما كان يعبد آباءنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء.
هذا الإسلام، الإسلام قيم أخلاقية، لهذا قال النبي الكريم:

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ))

دققوا في هذا الكلام بني الإسلام على خمس، الإسلام شيء آخر، الإسلام بناء أخلاقي دعائمه هذه العبادات، فهذه العبادات لا معنى لها إطلاقاً من دون عبادة تعاملية، الشعائرية هي ثلاث ساعات الامتحان ضعوها في أذهانكم، والتعاملية تسعة أشهر العام الدراسي، فإذا الإنسان ما درس ولا طالع ولخص الدروس وذاكر، الامتحان ليس له معنى إطلاقاً، هذا معنى قول بعض العارفين بالله: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام.
سيدنا ابن عباس كان معتكف رأى رجلاً حزيناً فقال له: مالي أراك حزيناً، قال له: ديون ركبتنه، قال له: لمن، قال: لفلان، قال له: أتحب أن أكلمه لك، فقال: إذا شئت، فخرج، فقال له رجل: يا بن عباس أنسيت أنك معتكف، قال: لا والله ولكن سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب ودمعت عيناه، والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في هذا المسجد.
نحن نريد عبادة تعاملية، والصحابة فتحوا العالم بالتعامل وليس بالشعائر الشعائر نتيجة، الشعائر وقت لقبض الثمن، الشركات الضخمة عندها مندوبي مبيعات يأتي الساعة الثامنة والنصف ويتلقى التعليمات و يأتي مساءً ويقدم تقرير، أين كان أثناء النهار ؟ في المحلات يدور، فالمسلم في المسجد يتلقى التعليمات ويصلي ويتلقى الجائزة، وإسلامه في عيادته وفي مكتبه، والإسلام ليس في المساجد، بل في التعامل.
الدكتور محمد راتب النابلسي

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور